ابن الهـيثم


 
 
«كان ابن الهيثم أعظم فيزيائي مسلم وأعظم دارس لعلم البصريات في زمنه. وسواء كان الفيزيائيون يعملون في إنجلترا أو بعيداً في بلاد فارس، فإنهم جميعاً قد شربوا من النبع نفسه. لقد أحدث ابن الهيثم تأثيراً عظيماً في الفكر الأوروبي من بيكون إلى كيبلر - جورج سارتون في كتابه "تاريخ العلوم".
انطلق الحسن بن الهيثم في القرن العاشر من التساؤلات التي طرحها الكندي الذي قال إن الرؤية تحصل بسبب انكسار أشعة الضوء. قال جورج سارتون مؤرخ العلوم البارز في القرن العشرين، إن القفزة التي حصلت في علم البصريات تعزى إلى عمل هذا الرجل الذي قدم التفسير العلمي لكثير مما نعرفه اليوم عن علم البصريات.[1]
والواقع أن ابن سهل البغدادي، العالم الفيزيائي من القرن العاشر، هو الذي اشتغل في حقل انكسار الضوء باستعمال العدسات قبل ابن الهيثم، ولا ندري إن كان ابن الهيثم يعرف ما قام به ابن سهل. إن ابن الهيثم المعروف عند الغربيين باسم (Alhazen) قد أجرى تجارب دقيقة جداً قبل ألف سنة مكّنته من تقديم تفسير علمي، يقول: إن الإبصار يتم بانعكاس الضوء على الأشياء ومن ثم بدخوله إلى العين، وكان أول من رفض نظرية الإغريق في جملتها.[1]
انتقل ابن الهيثم المولود في البصرة بالعراق إلى مصر بدعوة من حاكمها ليساعد في تخفيف أضرار فيضانات نهر النيل، وكان أول من جمع بين طريقة إقليدس وبطليموس الرياضية وبين المبدأ الفيزيائي المفضل عند فلاسفة الطبيعة، وأعلن بهذا الصدد أن دراسة الإبصار (البصريات) تتطلب الجمع بين الفيزياء والرياضيات.[1]
«كل جسم مضيء بأي ضوء كان فإن الضوء الذي فيه يَصدر منه ضوء
إلى كل جهة تقابله، فإذا قابل البصر مبصَراً من المبصَرات وكان المبصَر مضيئاً
بأي ضوء كان فإن الضوء الذي في المبصَر يرِد منه ضوء إلى سطح البصر».
—من "كتاب المناظر" لابن الهيثم (المقالة الأولى، بداية الفصل السادس، "كيفية الإبصار")
كان ابن الهيثم عالم رياضيات وفلك وفيزياء وكيمياء، بيد أن كتابه في البصريات "كتاب المناظر" أسس لهذا العلم، واشتهر باسم "الكتاب الكبير" (Magnum Opus). وقد بحث في طبيعة الضوء، وفيسيولوجيا الإبصار وآليته، وبنية العين وتشريحها، وفي الانعكاس والانكسار، وأجرى دراسات انعكاس الضوء. كما درس العدسات بتجريب المرايا المختلفة، المسطحة والدائرية وذات القطع المكافئ والأسطوانية والمقعرة والمحدبة. ورأى العين تعتمد على نظام انكسار ضوئي، فطبق هندسة الانكسار عليها. واكتشف ببراعة ظاهرة الانكسار الجوي، واستخدم الرياضيات بكثافة لدراسة الظواهر الضوئية.[1]
استخدم ابن الهيثم البرهان التجريبي لفحص نظرياته، وهو أمر لم يكن مألوفاً في زمانه، لأن علم الفيزياء قبله كان أشبه بالفلسفة، ولا يعتمد على التجربة، فكان هو أول من أدخل البرهان التجريبي كشرط أساسي لقبول النظرية. وكان كتابه "المناظر" نقداً فعلياً لأعمال بطليموس وغيره من القدماء، وما زال الباحثون يستشهدون بكتابه هذا بعد ألف سنة ليدربوا طلابهم على المنهجية العلمية، واكتساب الحس العملي لئلا ينساقوا خلف الآراء المسبقة والأفكار المتحيزة. يعد ابن الهيثم ومن غير مبالغة أبا العلم التجريبي ويعادل تأثيره في علم البصريات تأثير نيوتن في العلم ذاته للقرون التي تلته. لكن يعتقد بعض مؤرخي العلوم أن قانون سنيل (Snell's Law) في البصريات يعتمد على أعمال ابن سهل.[1]


المشاركات الشائعة من هذه المدونة

Hoya Summer Polarized

نصائح Global Optics